قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أصاب عبداً همٌ ولا حزنٌ
فقال: ( اللهم إني عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك، ناصيتي بيدك،
ماضٍ فيَّ حُكمك، عدلٌ في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت
به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أوعلمته أحد من خلقك، أو
استأثرت به في علم الغيب عندك،
أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء
حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله حزنه وهمه وأبدله مكانه فرحاً ).
روى هذا الحديث الإمام أحمد وابن حبان والحاكم وصححه
وهذا الدعاء دعاء فريد يستدعى الانتباه، ويستدعي التفكير
وهو جامع للخير حيث يتضمن قوله: "أن تجعل القرآن ربيع
قلبي" الاستعاذة من الجفوة والغلظة والانطوائية، ويوحي بأن
القرآن غيث غائث، وأن القلوب حياله تتطهر، ويطلب ثبات
القلوب وعمارتها بالإيمان، وفيه تشويق لبركةٍ ربانيةٍ تمس
القلوب فتكسبها قدرة على التفاعل مع هدايات القرآن.
اختلطت بشاشة هذا الدعاء الخاشع بأفئدة المتقين فانشرحت
وطابت وزكت وتلاقت، وشكلت تجمعاً فريداً قوامه العقيدة
ورباطه الأخوة، وطابعه الحركة المتزنة الرشيدة، فأصبحت هذه
القلوب مزدهرة ناضرة يتحقق فيها المثل الكريم ﴿ وَمَثَلُهُمْ فِي
الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ
يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ﴾ [الفتح: 29].