هو علي بن أبي طالب، أبوه هو عم رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: عبد مناف ابن عبد المطلب، وأمه: فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، أسلمت وهاجرت. يكنَّى أبا الحسن وأبا تراب، أسلم وهو ابن سبع سنين، وشهد المشاهد كلها، لم يتخلف إلا في غزوة تبوك؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلَّفه في أهله [تزوَّج السيدة فاطمة ريحانة رسول الله، وسيدة نساء الجنة، وكان له منها أحفاد رسول الله: الحسن، والحسين، وزينب، وأم كلثوم. محبة الله ورسوله عن سهل بن سعد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوم خيبر: "لأعطين هذه الراية غدًا رجلاً يفتح الله عليه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله"، قال: فبات الناس يذكرون أيهم يُعطاها، فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلهم يرجو أن يُعطاها، فقال:" أين علي بن أبي طالب؟" فقيل: يا رسول الله، يشتكي عينه، قال:" فأرسلوا إليه"، فأُتِي به فبصق رسول الله – صلى الله عليه وسلم - في عينيه، ودعا له فبرئ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، فقال رضي الله عنه: يا رسول الله، أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا، فقال: "انفذ على رِسْلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من أن يكون لك حمر النعم". رواه أحمد. ذكر إخاء النبي - صلى الله عليه وسلم - عليًّا - رضي الله عنه -: عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: خلّف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علي بن أبي طالب في غزوة تبوك، فقال: يا رسول الله، تخلفني في النساء والصبيان؟ فقال: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي" أُخرج في الصحيحين. ذكر جُمَل من مناقبه عن أبي صالح قال: قال معاوية بن أبي سفيان لضرار بن ضمرة: صف لي عليًّا، فقال: أوتعفيني؟ قال: بل صفه، قال: أوتعفيني؟ قال: لا أعفيك، قال: أما إذن فإنه والله كان بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلاً، ويحكم عدلاً، يتفجر العلم من جوانبه، وينطق بالحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل وظلمته، كان والله غزير الدمعة، طويل الفكرة، يقلب كفه، ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما خشن، ومن الطعام ما جَشُب، كان والله كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه، ويبتدئنا إذا أتيناه، ويأتينا إذا دعوناه، ونحن والله مع تقريبه لنا وقربه منا لا نكلمه هيبة ولا نبتديه لعظمه، فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، يعظّم أهل الدين، ويحب المساكين، لا يطمع القويّ في باطله، ولا ييئس الضعيف من عدله، وأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سجوفه وغارت نجومه، وقد مثل في محرابه قابضًا على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، وكأني أسمعه وهو يقول: يا دنيا يا دنيا، أَبِي تعرّضت، أم لي تَشوّفت؟ هيهات هيهات، غُريّ غيري، قد باينتك ثلاثًا، لا رجعة لي فيك، فعمرك قصير، وعيشك حقير، وخطرك كبير، آه من قلة الزاد، وبُعد السفر، ووحشة الطريق. قال: فذرفت دموع معاوية - رضي الله عنه - حتى خرت على لحيته، فما يملكها وهو ينشفها بكمه، وقد اختنق القوم بالبكاء. ثم قال معاوية: رحم الله أبا الحسن، كان والله كذلك، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال: حزن من ذُبح ولدها في حجرها فلا ترقأ عبرتها ولا يسكن حزنها. كلمات من مواعظه عن عبد خير عن علي -كرم الله وجهه- قال: ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكن الخير أن يكثر عملك ويعظم حلمك، ولا خير في الدنيا إلا لأحد رجلين: رجل أذنب ذنوبًا فهو يتدارك ذلك بتوبة، أو رجل يسارع في الخيرات، ولا يقلّ عمل في تقوى، وكيف يقلّ ما يُتقبل؟! وعن مهاجر بن عمير قال: قال علي بن أبي طالب: إن أخوف ما أخاف اتباع الهوى وطول الأمل: فأما اتباع الهوى فيصدُّ عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة، ألا وإن الدنيا قد ترحَّلت مدبرة، ألا وإن الآخرة قد ترحَّلت مقبلة، ولكل واحدة منهما بَنُون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدًا حساب ولا عملوعن عاصم بن ضمرة عن علي –رضي الله عنه-قال: ألا إن الفقيه الذي لا يُقنِّط الناس من رحمة الله، ولا يؤمِّنهم من عذاب الله، ولا يُرخِّص لهم في معاصي الله، ولا يدع القرآن رغبة عنه إلى غيره، ولا خير في عبادة لا علم فيها، ولا خير في علم لا فهم فيه، ولا خير في قراءة لا تدّبر فيهاوعن عبد الله بن عباس-رضي الله عنهما- أنه قال: ما انتفعت بكلام أحد بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانتفاعي بكتاب كتب به إليَّ عليُّ بن طالب، فإنه كتب إليَّ: أما بعد.. فإن المرء يسؤوه فوْت ما لم يكن ليدركه، ويسرّه درك ما لم يكن ليفوته، فليكن سرورك بما نلت من أمر آخرتك، وليكن أسفك على ما فاتك منها، وما نلت من دنياك فلا تُكثرن به فرحًا، وما فاتك منها فلا تأس عليه حزنًا، وليكن همك فيما بعد الموتوقد كان -كرم الله وجهه- أقرب العشرة المشهود لهم بالجنة نسبًا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقد شهد بيعة الرضوان، وقد قال الله تعالى عمن شهد هذه البيعة: "لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ". ارتقائه منكب رسول الله - صلى الله عليه وسلم عن أبي مريم عن علي -رضي الله عنه- قال: انطلقت أنا والنبي –عليه الصلاة والسلام- حتى أتينا الكعبة، فقال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اجلس". وصعد على منكبي، فذهبت لأنهض به، فرأى مني ضعفًا، فنزل، وجلس لي نبي الله -صلى الله عليه وسلم-، وقال لي: "اصعد على منكبي"، فصعدت على منكبيه قال: فنهض بي فإنه ليخيل إليّ أني لو شئت لنلت أفق السماء، حتى صعدت على البيت وعليه تمثال صُفر أو نحاس، فجعلت أزاوله عن يمينه وعن شماله، ومن بين يديه ومن خلفه، حتى استمكنت منه قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اقذف به"، فتكسر كما تتكسر القوارير، ثم نزلت فانطلقت أنا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- نستبق حتى توارينا بالبيوت خشية أن يلقانا أحد من الناس (رواه أحمد). بطولته وشجاعته كان من أعظم وأشجع الأبطال الذين عرفهم الإسلام، لقد كان لا يهاب الموت، ولا يهاب عدوًَّا أيًّا كان ذلك العدو، وقد كان له دستور ينتهجه في حياته، وكان دائمًا يتمثله في بيتين من الشعر.
أيَّ يوميَّ من الموت أفر يوم لا قُدِّرَ أم يوم قُدِرْ يوم لا قُدِّرَ لا أرهبُه ومن المقدورِ لا يُغني الحَذَرْ
وقد ظهرت شجاعته وبراعته في القتال والمنازلة بصورة جلية في غزوة بدر حين خرج هو وعمه حمزة وعبيدة بن الحارث، وبارزوا عتبة بن ربيعة وأخاه شيبة وابنه الوليد. وفي غزوة أحد أبدع في المبارزة والنزال، وأيضًا في غزوة الخندق خرج من صفوف الكفار عمرو بن ود، وصرخ: من يبارز؟ فتردَّد الصحابة، ولكن عليًّا قال للرسول – صلى الله عليه وسلم-: أنا له يا رسول الله، فدار بينهما صراع عنيف دامٍ، كان لعلي – كرم الله وجهه - النصر فيه. وفي يوم خيبر كان له النصر، وفتحها الله على يديه - رضي الله عنه -. استشهاده ضربه عبد الرحمن بن ملجم بالكوفة يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة بقيت من رمضان، وغسّله ابناه الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر، وصلَّى عليه ابنه الحسن، ودُفِن في السحر وهو ابن ثمان وخمسين سنة. وعن أبي أراكة قال: صليت مع علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - صلاة الفجر، فلما سلّم انفتل عن يمينه، ثم مكث كأن عليه كآبة، حتى إذا كانت الشمس على حائط المسجد قيد رمح قال وقلب يده: لقد رأيت أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فما أرى اليوم شيئًا يشبههم، لقد كانوا يصبحون شعثًا صفرًا غُبرًا بين أعينهم أمثال وَكِيب المُعَزّى، قد باتوا سُجّدًا وقيامًا يتلون كتاب الله يراوحون بين جباههم وأقدامهم، فإذا أصبحوا فذكروا الله، مادوا كما تميد الشجرة في يوم الريح، وهملت أعينهم حتى تبل ثيابهم، والله لكأن القوم باتوا غافلين، ثم نهض فما رُئي يضحك حتى ضربه ابن مُلجم [رضي الله تعالى عنه وأرضاه]
|