بسم الله الرحمن الرحيم
حديث: "فإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة" حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا الأعمش سمعت زيد بن وهب سمعت عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-، حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق: أن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يومًا، أو أربعين ليلة، ثم يكون علقة مثله، ثم يكون مضغة مثله، ثم يبعث إليه الملك، فيؤذن بأربعة كلمات، فيكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يكون بينها وبينه إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، فيدخل النار، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينها وبينه إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل عمل أهل الجنة فيدخلها .الشرح: هذا الحديث فيه إثبات القدر السابق، وأن كل إنسان صائر إلى القدر وإلى ما كتب له، وفيه أن كل إنسان يكتب عليه، وهو في بطن أمه كلمات أربع: الكلمة الأولى: يكتب الرزق، والكلمة الثانية: يكتب العمل، والكلمة الثالثة: الأجل، والكلمة الرابعة: يكتب الشقاوة والسعادة، وهذا القدر يوافق القدر السابق، وهو ما كتب في اللوح المحفوظ، والأصل ما كان في اللوح المحفوظ، وهذا قدر ثان يوافق ما في اللوح المحفوظ، ولا يخالفه، وجاء في الحديث الآخر: أنه بعد الأطوار الثلاثة: يأتي الملك فيقول: يا رب ما الرزق؟ ما العمل؟ ما الأجل؟ فيقول الله له: كذا، فيكتب الملك الرزق، والأجل، والعمل، والشقاوة، والسعادة، على حسب ما يقول الله -تعالى- له .
وفيه أنه لا بد أن يصير الإنسان إلى ما قدر له حتى في آخر حياته؛ ولهذا قال في آخر الحديث: (فوالذي نفسي بيده إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب...) أي: الكتاب الذي كتب عليه، وهو في بطن أمه. إلى أن قال: (وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب...) أي: الذي كتب عليه في القضاء والقدر السابق، وهو في بطن أمه، وقبل ذلك في اللوح المحفوظ. فدل على وجوب الدليل بالقدر، فمن لم يؤمن بالقدر، فليس بمؤمن.
والقدر له مراتب أربع: 1 - الكتابة في اللوح المحفوظ، وهو التقدير العام.
2 - ما يكتب عليه، وهو في بطن أمه، وهذا التقدير العمري.
3 - ما يكتب عليه في ليلة القدر، وهو التقدير السنوي.
4 - ما يكتب عليه كل يوم، وهو التقدير اليومي كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ سبحانه وتعالى، يرفع، ويخفض، ويعز، ويذل، ويحيي، ويميت، ويشقي، ويسعد.
وكل إنسان صائر على ما قُدِّر له، وليس معنى ذلك أن الإنسان يترك العمل، فهذا غير صحيح؛ لأن القدر من شئون الله -عز وجل- والإنسان عليه العمل؛ ولهذا لما استشكل الصحابة ذلك وقالوا: يا رسول، أفلا تنكل على كتابنا، وندع العمل؟ قال: اعملوا، فكل ميسر لما خلق له، أما أهل السعادة فسييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة، فسييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ الآية: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى .
والشاهد قوله: (فيؤذن بأربع كلمات): ففيه إثبات الإذن، وهذا إذن كوني، (فيؤذن بأربع كلمات) وفي الرواية الأخرى
فيؤمر بأربع كلمات) ففيه إثبات الإذن الكوني لله -عز وجل- وفيه إثبات الكلام لله -عز وجل-، وهذا كلام كوني قدري لا يتخلف أبدًا قال -تعالى-: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فما كتب عليه من الكلمات الأربع لا بد أن تقع، ولا بد أن يصير الإنسان إلى ما كُتب له، وهو في بطن أمه.
بخلاف الكلام الشرعي مثل قوله -تعالى-: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ هذا كلام شرعي في القرآن فهذا قد يتخلف؛ لأن من الناس من يصلي، ويمتثل هذا الأمر، ومنهم من لا يمتثل.
فالحديث فيه إثبات الإذن الكوني والكلام الكوني؛ لقوله: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ فالإذن الكوني، والكلام الكوني سابق للخلق لا يتخلف، فالجنين وهو في أطوار خلقه تكتب عليه هذه الكلمات، وهذا هو الشاهد من الترجمة. قوله: (بأربعة كلمات): الصواب (بأربع كلمات): لأن العدد يخالف المعدود، والكلمات مؤنثة، وأربعة تكون مذكر، مثل قولنا: أربعة رجال وثلاث نسوة. فلما كان الرجال مذكر يؤنث العدد.
فائدة: إِذْنُ الله -تعالى- ينقسم إلى قسمين: 1 - الإذن الكوني القدري.
2 - الإذن الشرعي.
فمثال الإذن الكوني قوله -تعالى-: وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ أي: بإذن الله الكوني، وكما في حديث الباب: (فيؤذن بأربع كلمات) فهذا إذن كوني.
ومثال الإذن الشرعي قوله -تعالى- في سورة الحشر: مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ أي: بإذن الله وشرعه، فرخص لهم -سبحانه وتعالى- في أن يقطعوا نخل بني النضير، أو يبقوها، فوجهة من قطع النخل أن يغيظ الكفار، ومن أبقى فلأنه مال يئول للمسلمين، فلكل وجهة، والله -تعالى- لم يعنف هؤلاء، ولا هؤلاء.