الرحلة الأصعب...الجزء الأخير.........بقلمي

لاح ضوء السيارة من بعيد ،فبدأت تتمايل رغبة في إثارة انتباه صاحبها،كان الليل قد أسدل ستاره على طرق خالية إلا من خفافيش الظلام وعاشقي السهر وبائعات الهوى...
التفتت وراء تراقب السيارة التي ما فتئت أن اقتربت حتى ارتمت أمامها محاولة ادعاء إصابتها ،توقفت السيارة على بعد سنتمترات منها وخرج منها شاب في مقتبل العمر،جلس على ركبتيه محاولا مساعدتها على الوقوف،كان الجو باردا والضباب يخفي معالم المكان.
*هل أصبت بمكروه ؟
هكذا كان أول حديث بينهما
نظرت إليه،وكان ضوء السيارة يخترق ملامحها الجميلة وتقاسيم وجهها البريئة ،عبتا تخفيها مساحيق التجميل...
تمضغ العلكة مصدرة فرقعة تميل معها شفتيها المرتجفتان بردا ،تحاول أن تزرع بهما ابتسامة خفيفة 
فقالت بصوت خافت:
*أنا بخير 
نظر إلى عينيها يغلفهما الحزن وألم لم تستطع إخفاءه وتنبه إلى محاولة إغرائها له وقبل أن تكمل حديثها ،نزع معطفه ولفه حولها ،وانسحب من أمامها عائدا إلى سيارته دون أن ينبس بكلمة...
تجمد الدم في عروقها واغرورقت عيناها بالدموع،سمعت هدير المحرك فابتعدت عن طريقه بخطوات متثاقلة ،مطأطئة الرأس،وما أن اقتربت من الرصيف حتى انتابتها نوبة سعال لم تقوى على تحملها،أمسكت بجدع شجرة قريبة منها،واشتد سعالها حتى خرت على ركبتيها ،وبينا هي كذلك،كانت عجلات سيارة الشاب تمسح الطريق ببطء قبل أن تقلع سرعتها،التفت جهة الفتاة ليرى مصيرها،تراءت له على هيئة صخرة مكومة تمسك رأسها الذي زلزله السعال الحاد ،أوقف محرك السيارة وخرج مسرعا نحوها ،أصيب بالدهشة وهو يرى الدماء التي لطخت ملابسها،رفعت رأسها إليه وحاولت النهوض لكن جسمها تراخى حتى أسندته إلى جدع الشجرة،و وجهها قد أصابه الشحوب وأنفاسها تتسارع ،أخذ بيدها محاولا حملها إلى سيارته، انطلق مسرعا حتى توقف عند أقرب مستشفى ،أراد أن يترجل،فأمسكت الفتاة يده ،التفت نحوها مستغربا....
*مكاني ليس هنا،أرجوك أن تعيدني إلى حيث وجدتني
*يجب أن يراك الطبيب
*اعتدت على هذا السعال،كما أنهم سيسألونك عني فما أنت مجيب؟
مثلك سيدنس اسمه بمثلي،ألا ترى مظهري؟
يكفيني أنك أول من احترم إنسانيتي لا أريد أكثر...
كانت تخاطبه ودموعها قد رسمت طريقا على خديها أسودا بمرارة الأيام التي رمتها في أحضان الليل وكوابيسه فزرعت في قلبها ندما وحسرة وألما.....
اختنقت الكلمات غصة في حلقها وبدأ السعال يعاودها ،فخرج الشاب من السيارة وفتح لها الباب،أمسك ذراعها وأسند رأسها إلى كتفه محاولا مساعدتها على 
السير حتى دخلا باب المستشفى،
توقف عند غرفة الاستقبال،وسأل إحدى الممرضات المساعدة لنقلها إلى أقرب طبيب ...
سألته الموظفةعن هويتها،
تردد في الإجابة وهو يراها والممرضة ترمقانها بنظرات استغراب إلى مظهرها ومساحيق التجميل التي ضاع رسمها وتلطخت بالدموع والدماء العالقة بملابسها وفخذيها 
الشبه عاريتان....
*لو سمحت...ما اسم المريضة؟
أفاق على سؤالها يتكرر فأخبرها أنها قريبة..
ابتسمت الموظفة وهي تعيد على مسامعه نفس السؤال:
*ما اسمها؟
كانت الفتاة تبتعد حين رد عليها بأنها *حياة*
لم يجد بدا من أن يخترع لها اسما وهو الذي ما فتئ أن صادفها في الطريق ،ولا يعرف عنها شيئا ...
انطلق يجوب المستشفى باحثا عن غرفة الفحص التي استقبلتها ،خرج طبيب من إحداها برفقة الممرضة التي اصطحبتها فسأله عن حالها ؟
*هي في حالة متأخرة من مرض السل،قد تأخرت في إحضارها...
طلب من الطبيب أن يكلمه على انفراد فأخبره بما حدث....
ابتسم له الطبيب وشكره على عمله النبيل،ولكنه تأسف له على وضعيتها الصحية المتردية...
صباحا استيقظ الشاب على صوت الممرضة وهي تناديه،مرر يديه على وجهه،تفحص المكان ليجد نفسه 
ملقى على إحدى الكراسي بغرفة الاستقبال........
نظر إلى الساعة وبدأ يبحث عن هاتفه المحمول وأجرى مكالمة مهمة ثم اتجه إلى غرفة الفتاة 
نظر إليها من خلف زجاج نافذة بالباب ليتفقد حالتها ،وجدها نائمة والأجهزة من حولها نسي نفسه للحظة وبدأ يتأمل ملامحها البريئة ووجهها الملائكي السابح في عالم غير الذي وجدها فيه...
حتى أنه لم ينتبه للممرضة وهي تستأذنه للدخول عليها وتطلب منه التوجه إلى غرفة الاستقبال....غادر المستشفى إلى بيته بعد أن ترك بعضا من المستحقات ...
توقف عند عتبة الباب وباله مشغول بحال الفتاة ،تناول الطعام وذهنه شارد ،رن هاتف المنزل وظل يرن وهو غير مبال به حتى صاحت به زوجته بأن يحمل السماعة، رفعها وبعد انتهاء المكالمة خاطبها قائلا:
*قد حان موعد السفر،سأجهز ملابسي .....
أخذ حقيبته وغادر المنزل متجها نحو المطار .....

من
مها الدلوعه 

شكرا لكي

وتسلم ايدك

شكرا على الموضوع

شكرا ع الموضوع الحلو

» زقزقة العصافير ـ بقلمي
» جدار الزمن بقلمي
» كليب العشر الأخير ..( خيوط النور ) .،. (أداء محمد العزاوي)